حياته الشعرية المبكرة :
بحسب ما يقول في مذكراته ، فقد ورث القباني
من أبيه ، ميله نحو الشعر كما ورث عن جدّه حبه للفن بمختلف أشكاله. يقول في مذكراته
أيضًا ، أنه خلال طفولته كان يحبّ الرسم ولذلك "وجد نفسه بين الخامسة والثانية
عشرة من عمره غارقًا في بحر من الألوان" ، وقد ذكر أن سِرّ مَحبّته للجمال والألوان
واللون الأخضر بالذات أنه في منزلهم الدمشقي كان لديهم أغلب أصناف الزروع الشاميّة
من زنبق وريحان وياسمين ونعناع ونارنج . وكأي فتىً في هذا السنّ ، ما بين سن الخامسة
عشر والسادسة عشر احتار كثيراً ماذا يفعل ، فبدأ بكونه خطّاطاً تتلمذ على يد خطّاط
يدويّ ثم اتّجه للرسم وما زال يَعشقُ الرسم حتّى أن له ديواناً يُسمّى الرسم بالكلمات
. ومن ثم شُغف بالموسيقى ، وتعلّم على يد أستاذ خاص العزف والتلحين على آلة العود ،
لكنّ الدراسة خصوصًا خلال المرحلة الثانوية ، جعلته يعتكف عنها. ثُمّ رسى بالنهاية
على الشعر ، وراح يحفظ أشعار عمر بن أبي ربيعة ، وجميل بثينة ، وطرفة ابن العبد ، وقيس
بن الملوح ، متتلمذاً على يدِ الشاعر خليل مردم بِك وقد علّمه أصول النحو والصرف والبديع.
خلال طفولته انتحرت شقيقته ، بعد أن أجبرها
أهلها على الزواج من رجل لم تكن تحبّه ، وهو ما ترك أثرًا عميقًا في نفسه ، وربا صاعد
في صياغة فلسفته العشقية لاحقاً ومفهومه عن صراع المرأة لتحقيق ذاتها وأنوثتها. ولم
يكشف عن القصة باكرًا بل قال أنها توفيت بمرض القلب ، إلا أن كوليت خوري كشفت عكس ذلك
وهو ماثبت في مذكراته الخاصة أيضًا ، إذ كتب: "إن الحبّ في العالم العربي سجين
وأنا أريد تحريره". يصف نزار حادثة الانتحار بقوله: "صورة أختي وهي تموت
من أجل الحُبّ محفورة في لحمي... كانت في ميتتها أجمل من رابعة العدوية" كما ارتبط
بعلاقة قوية مع أمه.
عام 1939 كان نزار في رحلة بحريّة مع المدرسة
إلى روما ، حين كتب أول أبياته الشعريّة متغزلاً بالأمواج والأسماك التي تسبح فيها،وله
من العمر حينها 16 عامًا، ويعتبر تاريخ 15 أغسطس 1939 تاريخًا لميلاد نزار الشعري،
كما يقول متابعوه. وفي عام 1941 التحق نزار بكلية الحقوق في جامعة دمشق ، وتخرّج منها
في عام1945. ونشر خلال دراسته الحقوق أولى دواوينه الشعريّة وهو ديوان "قالت لي
السمراء" وقد قام بطبعه على نفقته الخاصة، وقد أثار موضوع ديوانه الأول ، جدلاً
في الأوساط التعليمية في الجامعة وقد كتبَ له مُقدّمة الديوان منير العجلاني الذي أحبّ
القصائد ووافق عليها. وقد ذاع صيته بعد نشر الديوان كشاعر إباحي. وفي تعليقه حول صدور
ديوانه الأوّل كتب:
نزار قباني "قالت لي السمراء"
حين صدوره أحدث وجعاًعميقاً في جسد المدينة التي ترفض أن تعترف بجسدها أو بأحلامها...
لقد هاجموني بشراسة وحش مطعون ، وكان لحمي يومئذ طريًا ".
نزار قباني عام 1944 وهو العام الذي أصدر
به ديوانه الأول "قالتلي السمراء".
^ نزار أباظة - محمد رياض المالح. إتمام الأعلام (الطبعة الأولى). بيروت: دار صادر. صفحة 302.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق